(عن الأحداث المغربية)
«حرمت نفسي من كل شيء حتى أتمكن من مساعدتها على الوصول للمكانة التي تليق بها، لكنها خطفت مني وانتهى بها الأمر مقتولة دون حماية»، بهذه العبارة حاولت والدة الضحية بشرى تقريب الحاضرين داخل مركز “فاما” في البيضاء، من ملابسات وفاة ابنتها التي فارقت الحياة مساء الأحد 27 أكتوبر الماضي في حي المعاكيز في البرنوصي في الدار البيضاء.
مأساة الأسرة بدأت منذ ما يزيد عن أربعة أشهر، عندما فوجئت الأم بأن ابنتها البالغة من العمر 19 سنة لم تعد إلى البيت، لتبدأ رحلة البحث بين المعارف والأهل وصديقات المختفية في الدراسة بثانوية ابن المعتز.
بعد ثلاثة أيام، توصلت الأم بمكالمة هاتفية من امرأة تخبرها بأن ابنتها موجودة في بيت الشخص الذي اختطفها. تقول الأم: «ساعدتني سيدة لا يوجد بيني وبينها سابق معرفة وهي من طرف المختطف في الوصول للبيت، هناك وجدت ابنتي رفقة مختطفها ووالديه، ليخبروني أنهم قرروا تزويج ابنتي من إبنهم الذي اغتصبها بعد اختطافها.. رفضت الأمر وأردت تبليغ الشرطة لكن ابنتي أخبرتني أننا قد نتعرض للذبح في حال التبليغ».
وعوض أن تستعد بشرى لامتحانات الدورة الاستدراكية للحصول على شهادة البكالوريا، أصبحت زوجة رغما عنها، «كانت تخبرني كلما زرتها بأنها تتعرض للضرب والربط إلى جانب الكلاب، كما أنه قام بضربها بواسطة سيف على مستوى الكتف، ثم حلق شعرها»، تقول الأم التي فوجئت بأن ابنتها ضاقت ذرعا بما تتعرض له من سوء معاملة، لتقرر استغلال انشغال زوجها بمشاهدة مباراة كرة القدم يوم أحد، وتقود ابنتها إلى بيت أسرتها. هذا الأمر لم يتقبله الأخير، «اقتحم بيتي دون أن أستطيع مقاومته، وقام بجرها والاعتداء عليها في الشارع دون أن يستطيع أحد ردعه، لأن الجميع يخاف بطشه وذلك في حدود الساعة 9 مساء.. اتجهت إلى بيتهم لتخبرني والدته بأن ابنتي قد توفيت، وهو ما أصابني بانهيار، ورفضت مغادرة بيتهم إلى حين حضور رجال الأمن»، تقول الأم التي لم تقنعها رواية أسرة الزوج حول كون ابنتها أقدمت على الانتحار على الساعة العاشرة والنصف من اليوم نفسه الذي تعرضت فيه للاعتداء.
والدة بشرى كانت محاطة، خلال وجودها في مركز فاما، باثنين من أبنائها اللذين لم يبخلا بتصريحاتهما أمام ممثلات الجمعيات النسائية، إلى جانب أعضاء فرع البرنوصي للجمعية المغربية لحقوق الانسان، الذين أعلنوا بدورهم أن سكان المنطقة ضاقوا ذرعا بكل التجاوزات التي تمارس من طرف أسرة الزوج تحت أعين بعض رجال الأمن الذين يلتزمون الحياد، «ما روته والدة الضحية قد يكون صادما لكم، لكن ما نعيشه في المنطقة أكبر من أن يوصف، والغريب أن هناك تجاوزات تتم بعلم رجال الأمن.. هذه السيدة لا تحتاج منكم كجمعيات لمجرد تضامن صوري، لقد أصبحت اليوم مهددة، وقد تتعرض لبطش باقي أفراد أسرة زوج ابنتها».
كان واضحا أن الأم تشعر بالكثير من التخوف، وهو الأمر الذي دفعها في أكثر من مناسبة إلى محاولة مقاطعة حديث ابنها حتى لا يفصح عن الكثير من الممارسات التي تقوم بها أسرة الزوج، لكنها تراجعت عن حذرها لتصرح قائلة: «ابنتي ليست أول ضحية، هناك فتاتان تعرضتا لنفس الاعتداء على يد زوج ابنتي، لكنهما اضطرتا للتنازل عن متابعته خوفا من بطشه، ومنهن من تركت الحي.. لذلك اضطررت بعد وفاة بشرى إلى منع ابنتي الصغرى من الذهاب للدراسة حتى لا تتعرض بدورها للاختطاف أو الاعتداء».
تجاوزت التهديدات دائرة أسرة بشرى لتصل إلى صديقاتها في الدراسة، «لقد حاولنا التواجد مع والدة بشرى داخل المحكمة لمساندتها والإدلاء بشهادتنا، لكننا تعرضنا للتهديد من طرف والدة الزوج»، تقول الصديقة التي لم تستوعب أن صديقتها التي كانت تستعد لاجتياز امتحان الباكالوريا، اختفت فجأة، ثم تزوجت غصبا لتتحول إلى زوجة معنفة ذاقت كل أصناف التنكيل خلال مدة زواجها التي لم تتجاوز أربعة أشهر، ثم تحولت فجأة لجثة هامدة بعد سقوطها من مكان مرتفع عقب تعرضها للاعتداء على يد زوجها.
جثة بشرى لاتزال في مركز الطب الشرعي في الرحمة، «لقد اتصلوا بي اليوم وطلبوا مني تسلم جثة ابنتي لدفنها والاطلاع على نتائج التشريح، لكنني امرأة أمية ولا أعلم فحوى هذا التقرير، ولا الخطوات اللازمة لاسترجاع حق ابنتي التي نقلت للمستشفى في سيارة خلسة، ليقال إنها ماتت بعد أن رمت نفسها من مكان مرتفع.. لذلك أنا أطلب من الجمعيات أن تتولى متابعة هذا الملف»، تقول الأم التي تبدي نوعا من الارتياح بعد اعتقال الزوج المتهم ثلاثة أيام بعد الحادث، والذي يتمسك بروايته في كون الضحية أقدمت على رمي نفسها، وأنه لم يعنفها رغم إثبات المعاينات الأولية لوجود آثار دم في مدخل البيت.